حرب أكتوبر “حرب العاشر من رمضان” كما تعرف في مصر أو حرب تشرين التحريرية كما تعرف في سوريا أو حرب يوم الغفران ( يوم كيبور) كما تعرف في إسرائيل .
هي حرب شنتها كل من مصر وسوريا على “إسرائيل” عام 1973 وهي رابع الحروب العربية الإسرائيلية بعد حرب 1948 (حرب فلسطين) وحرب 1956 (حرب السويس) وحرب 1967 (حرب الستة أيام)، وكانت إسرائيل في الحرب الثالثة قد احتلت شبه جزيرة سيناء من مصر وهضبة الجولان من سوريا، بالإضافة إلى الضفة الغربية التي كانت تحت الحكم الأردني وقطاع غزة الخاضع آنذاك لحكم عسكري مصري.
القادة مصر | القادة سوريا | القادة الكيان الصهيوني |
---|---|---|
محمد أنور السادات | حافظ الأسد | غولدا مائير |
أحمد إسماعيل علي | مصطفى طلاس | موشيه دايان |
سعد الدين الشاذلي | يوسف شكور | دافيد إلعازار |
عبد الغني الجمسي | ناجي جميل | بنجامين تالم |
حسني مبارك | بنيامين بليد | |
محمد علي فهمي | إلياهو زاعيرا | |
إبراهيم فؤاد نصار | إسحاق حوفي | |
سعد مأمون | شموئيل غونين | |
عبد المنعم واصل | ||
عبد المنعم خليل |
القوة:
القوة | لواء جنود متنوع | مشاة | ميكانيكي | مدرع | محمول جواً | برمائي | صواريخ | دبابة | مدرعة | مدفع | طائرة حربية | مروحية | طائرة نقل | قطعة بحرية | كتيبة صواريخ سام | مدفع مضاد للطائرات |
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
مصر | 42 | 19 | 8 | 10 | 3 | 1 | 1 | 1,700 | 2,000 | 10,100 | 400 | 140 | 70 | 95 | – | – |
سوريا | 27 | 12 | 5 | 10 | – | – | – | 1,700 | 800 | 600 | 321 | 36 | – | 21 | 150 | 2,500 |
الكيان الصهيوني | 36 | 9 | 6 | 16 | 5 | – | – | 2,350 | 3,000 | 1,593 | 600 | 84 | – | 38 | – | – |
الخسائر:
8,528 شهيد من المدنيين والعسكريين
19,549 جريح
مصر: تدمير 500 دبابة، 120 طائرة حربية، 15 مروحية
سوريا :تدمير 500 دبابة، 117 طائرة حربية، 13 مروحية
خسائر “إسرائيل” على الجبهتين:
• من 8,000 إلى 10,000 قتيل
• 20,000 جريح
• تدمير أكثر من 1000 دبابة
• إصابة وأسر عدد آخر من الدبابات
• تدمير من 303 إلى 372 طائرة حربية
• تدمير 25 مروحية
بدأت الحرب يوم السبت 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973 م الموافق 10 رمضان 1393 هـ بتنسيق هجومين مفاجئين ومتزامنين على القوات الإسرائيلية؛ أحدهما للجيش المصري على جبهة سيناء المحتلة وآخر للجيش السوري على جبهة هضبة الجولان المحتلة. وقد ساهمت في الحرب بعض الدول العربية سواء بالدعم العسكري أو الاقتصادي.
عقب بدء الهجوم حققت القوات المسلحة المصرية والسورية أهدافها من شن الحرب على إسرائيل، وكانت هناك إنجازات ملموسة في الأيام الأولى للمعارك، فعبرت القوات المصرية قناة السويس بنجاح وحطمت حصون خط بارليف وتوغلت 20 كم شرقاً داخل سيناء، فيما تمكنت القوات السورية من الدخول إلى عمق هضبة الجولان وصولاً إلى سهل الحولة وبحيرة طبريا. أما في نهاية الحرب فقد انتعش الجيش الإسرائيلي فعلى الجبهة المصرية تمكن من فتح ثغرة الدفرسوار وعبر للضفة الغربية للقناة وضرب الحصار على الجيش الثالث الميداني ومدينة السويس ولكنه فشل في تحقيق أي مكاسب استراتيجية سواء باحتلال مدينتي الإسماعيلية أو السويس أو تدمير الجيش الثالث أو محاولة رد القوات المصرية للضفة الغربية مرة أخرى، أما على الجبهة السورية فتمكن من رد القوات السورية عن هضبة الجولان واحتلالها مرة أخرى.
تدخلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لتعويض خسائر الأطراف المتحاربة، فمدت الولايات المتحدة جسراً جوياً لإسرائيل بلغ إجمالي ما نقل عبره 27895 طناً، في حين مد الاتحاد السوفيتي جسراً جوياً لكل من مصر وسوريا بلغ إجمالي ما نقل عبره 15000 طناً إضافة إلى نحو 63,000 طن من الأسلحة عن طريق البحر وصلت قبل وقف إطلاق النار، نقل أكثرها إلى سوريا.
القضية الأساسية في حرب تشرين التحريرية هي أن زمام المبادرة قد انتزع من يد العدو الإسرائيلي ولأول مرة، في تاريخ العرب الحديث. فالقرار التاريخي الذي جسده الرئيسان حافظ الأسد وأنور السادات في يوم العاشر من رمضان يعتبر القرار الأكبر والأخطر شأناً لا في تاريخ العرب المعاصر فحسب وإنما في تاريخ العالم المعاصر أيضاً. فالأمة العربية التي مافتئت تتلقى الضربات منذ مطلع القرن العشرين، وعلى وجه التحديد منذ وعد بلفور 2 تشرين الثاني 1917، وحتى أوائل السبعينيات، تنهض اليوم على قدميها، قدم في مرتفعات الجولان وقدم في شبه جزيرة سيناء، لتوجه لأعدائها الصهاينة ضربتين متزامنتين، واحدة على الخد الأيمن والثانية على الخد الأيسر
انتهت الحرب رسمياً مع نهاية يوم 24 أكتوبر مع خلال اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين الجانبين العربي الإسرائيلي، ولكنه لم يدخل حيز التنفيذ على الجبهة المصرية فعليّاً حتى 28 أكتوبر. على الجبهة المصرية حقق الجيش المصري هدفه من الحرب بعبور قناة السويس وتدمير خط بارليف واتخاذ أوضاع دفاعية، وعلى الرغم من حصار الجيش المصري الثالث شرق القناة، فقد وقفت القوات الإسرائيلية كذلك عاجزة عن السيطرة على مدينتي السويس والإسماعيلية غرب القناة. تلا ذلك مباحثات الكيلو 101 واتفاقيتي فض اشتباك، ثُمّ جرى لاحقاً بعد سنوات توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في 26 مارس/آذار 1979، واسترداد مصر لسيادتها الكاملة على سيناء وقناة السويس في 25 أبريل/نيسان 1982، ما عدا طابا التي تم تحريرها عن طريق التحكيم الدولي في 19 مارس/آذار 1989.
أحدثت حرب تشرين التحريرية آثاراً ونتائج كبيرة للغايةهزت العالم أجمع، من مغربه إلى مشرقه. وأصبحت نظرة المجتمع الدولي إلى العرب بعد الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة، تشرين الأول 1973، تختلف عن نظرته السابقة إليهم، لاسيما تلك التي خلفتها حرب حزيران 1967. وقد عبر عن هذا الواقع الجديد السيد ميشيل جوبير وزير الخارجية الفرنسية، بقوله: “انتهى عصر ألف ليلة وليلة، وعلينا أن نتعامل مع العرب بعد اليوم على أساس جديد”.
أمّا على الجبهة السوريّة، فقد وسّع “الجيش الإسرائيلي” الأراضي التي يحتلها وتمدد حوالي 500 كم2 وراء حدود عام 1967 فيما عُرف باسم جيب سعسع، وتلا ذلك حصول حرب استنزاف بين الجانبين السوري والإسرائيلي استمرت 82 يوماً في العام التالي، وانتهت باتفاقية فك الاشتباك بين سوريا و”إسرائيل” والتي نصت على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي سيطرت عليها في حرب أكتوبر، ومن مدينة القنيطرة، بالإضافة لإقامة حزام أمني منزوع السلاح على طول خط الحدود الفاصل بين الجانب السوري والأراضي التي تحتلها “إسرائيل”.
وثائق إسرائيلية: كيف تعاملت الحكومة الإسرائيلية مع حرب 1973 وأين برز “الإخفاق”
رغم مرور نحو نصف قرن على الحرب، كشف برتوكول جلسة حكومة الاحتلال الإسرائيلي، -الذي حفظ بأرشيفات جيش الاحتلال الإسرائيلي في وزارة الأمن، وسُمح بنشره في وقتٍ سابق – مجموعة وثائق حول كيف تعاملت “الحكومة الإسرائيلية” مع حرب 1973 وأين برز الإخفاق الذي أدى للخسارة الإسرائيلية، إضافة إلى مئات الصفحات الأخرى من محاضر الاجتماعات الحكومية التي عُقدت قبل الحرب وأثناءها والتي لا تزال مقتطفات من هذه الوثائق تخضع للرقابة ويمنع الكشف عنها.
هذا وقد كشفت “الوثائق الإسرائيلية” عمق الأزمة في صفوف القيادة الإسرائيلية خلال حرب تشرين الأول/ أكتوبر العام 1973، التي وثقت مشاورات أجرتها رئيس الحكومة في حينه، غولدا مئير، في ذروة الحرب، وتناولت قصف دمشق، انتقادات لقائد الجبهة الشمالية الإسرائيلية، الضغوط الأميركية من أجل وقف إطلاق النار والتخوف من فقدان القدرات الجوية.
ووفقا لإحدى الوثائق، وهي محضر اجتماع عقد صباح اليوم الثاني للحرب، يقول رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، دافيد إلعزار، إنه “قضينا ليلة ليست جيدة. فقد اخترقوا لنا الجولان بكميات كبيرة من الدبابات دفعة واحدة. وحتى الآن 81 قتيلا (إسرائيليا). لكن هذا لا يشمل موقع جبل الشيخ”.
ورد الوزير يغآل ألون “أنا قلق من نقل قوات من جبهات غير ناجعة. لعلنا نقصف دمشق؟”. وأجابه إلعزار: “تقنيا لا توجد صعوبة بالقصف. لكن من الناحية العملية فإنهم لا يقصفون المدن ولذلك لا أريد أن أبدأ بهذا”.
وسألت مئير عن “شعور الشبان في الأعالي”، وأجاب إلعزار بأنه “شعور قاس. ورغم أنهم يقولون إننا ندمر عدد كبير من الدبابات، لكن لا نهاية لذلك
06.10.1973
خلال جلسة لـ “الحكومة الإسرائيلية” عقدت في مكتب رئيسة الحكومة، غولدا مئير، في تل أبيب في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973
وافتتح “وزير الأمن الإسرائيلي” الجلسة بنقل المعلومة التي تلقاها رئيس “الموساد”، زامير، من الجاسوس المصري أشرف مروان، وقال ديّان “أعتقد أن الجميع يعرف الأخبار التي وصلت منذ بعض الوقت. الفرضية تقوله إنه في مساء اليوم، مع حلول الظلام، أو قبل ذلك بوقت قصير، سيبدأ هجوم كامل على الجبهتين”.
وعلق ديّان ومئير على توصيات هيئة الأركان العامة في “الجيش الإسرائيلي” بشن هجوم أو ضربة استباقية لمنع الهجوم المصري – السوري، وقال ديّان إن هيئة الأركان العامة “تود أن ننفذ حربا استباقية. ضربة استباقية أو هجوم استباقي. قبل أن يفتحوا علينا النار، نبادر نحن إلى ذلك”. وأوضح ديان أنه يعارض هذه الفكرة وكشف أنه لم يوص رئيسة الحكومة بذلك، وقال: “لن نكون أول من يبدأ الحرب
وفي هذا السياق، قالت مئير إن “رئيس الأركان والجميع توسلوا ‘أعطونا نصف ساعة من العمل الاستباقي، سندمر مطاراتهم وقدراتهم الصاروخية، وننهي الأمر‘. أعترف وأقر، قلبي ميال جدًا إلى ذلك، لكني أعرف العالم الذي نعيش فيه. خسارة كبيرة. لكن ذلك لن ينجح”. واستعرض ديّان خلال الاجتماع تحذيرات أميركية نقلتها واشنطن إلى تل أبيب “قبل أيام قليلة”، على حد تعبيره، قال “لديهم معلومات موثوقة أننا سنتعرض للهجوم”، وأضاف: “قلنا لهم إن ذلك غير صحيح. إنها مجرد خدعة”.
وبحسب الوثائق قال وزير أمن الاحتلال، موشيه ديّان، إن” المعلومات التي تلقاها تفيد بأن هجوما واسع النطاق سيبدأ مساء اليوم مع حلول الظلام أو بعد ذلك بوقت قصير على الجبهتين (السورية والمصرية)”.
وفيما تداول وزراء حكومة الإحتلال المعلومات التي أوردها رئيس “الموساد” حينها، تسفي زامير، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، إيلي زاعيرا، واستعرضها ديّان، ورئيس أركان جيش الاحتلال، دافيد إلعزار، وقادة الأجهزة الأمنية، دوت صافرات الإنذار واقتحم السكرتير لرئيس الحكومة الجلسة، وأعلن: “الهجوم قد بدأ”.
وبعد اقتحامه جلسة الحكومة، قال السكرتير العسكري، يسرائيل ليئور “أرسل السوريون قواتهم وفتحوا النار، وتخلى المصريون عن تمويه سلاح المدفعية وبدأ السوريون في استدعاء الطائرات”. في هذه المرحلة، سحبت غولدا مئير جملتها السابقة التي وردت في محضر الاجتماع (“لا أحد منا يعرف ما إذا كانوا سيفتحون النار ومتى. لا أعرف متى سيبدأون (في الهجوم)” ، وأخبرت الوزراء أن الجلسة ستتواصل: “نحن باقون هنا”.
ثاني أيام الحرب
وفي اليوم التالي، أطلع رئيس الأركان الإسرائيلي الوزراء في الحكومة على الوضع الميداني، وقال “نحن نخوض أصعب حرب في أصعب الظروف – أن نكون في موقف دفاعي ضد عدو يهاجم وله أفضلية قصوى – في ظل استعداداتنا المحدودة. استعداداتنا شملت القوات النظامية وليس قوات الاحتياط. لم نبادر إلى ضربة استباقية أو إجراءات وقائية. هذه المعركة الأصعب على الإطلاق”. وأضاف “لقد دخلنا الحرب بسرعة كبيرة. علي أن أذكركم أنه في عام 1967 تم تجنيد وإعداد الجيش بأكمله قبل أسبوعين من بدء الحرب. هذه المرة دخلت قوات الاحتياط إلى المعركة بعد أقل من 24 ساعة من لحظة استدعائهم”.
محضر اجتماع عقد صباح اليوم الثاني للحرب، يقول “رئيس أركان الجيش الإسرائيلي”، دافيد إلعزار، إنه “قضينا ليلة ليست جيدة. فقد اخترقوا لنا الجولان بكميات كبيرة من الدبابات دفعة واحدة. وحتى الآن 81 قتيلا (إسرائيليا). لكن هذا لا يشمل موقع جبل الشيخ”.
ورد الوزير يغآل ألون “أنا قلق من نقل قوات من جبهات غير ناجعة. لعلنا نقصف دمشق؟”. وأجابه إلعزار: “تقنيا لا توجد صعوبة بالقصف. لكن من الناحية العملية فإنهم لا يقصفون المدن ولذلك لا أريد أن أبدأ بهذا”.
وسألت مئير عن “شعور الشبان في الأعالي”، وأجاب إلعزار بأنه “شعور قاس. ورغم أنهم يقولون إننا ندمر عدد كبير من الدبابات، لكن لا نهاية لذلك”.
وفي جلسة أخرى اعترف ديّان بفشله في “تقييم قدرات العدو”. وقال “أريد أن أعترف بأن تقديري قبل هذه الحرب كان متدنيا في ما يتعلق بالطريقة التي سيقاتل بها العرب وكان تقديري لقدرتنا أعلى بكثير مقارنة بعلاقات القوة القائمة”. وأضاف أن “النتائج التي تنعكس الآن في ساحة المعركة، في الوقت الحالي، هي أن القدرة القتالية للعرب أعلى بكثير مما كنا نتوقعه، وقدرتنا على المواجهة وتوازن القوى السيئ لا يعطي النتائج الجيدة التي كنا نتوقعها”.
وفي هذه الجلسة، ولأول مرة، طرحت فكرة “الإخفاق” في التعامل مع الحرب خلال الجلسات الرسمية لحكومة الاحتلال، ووردت على لسان وزير الاستيعاب في حكومة الإحتلال، نيتان بيليد، وقال “الناس في الشارع يسألونني لماذا بدأنا تجنيد قوات الاحتياط في وقت متأخر جدًا؟ إما أن معلوماتنا الاستخباراتية غير كافية – إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعبر عن إخفاق، أو أننا لم نقم بتحليل المعلومات التي قدمتها لنا المخابرات بشكل صحيح”.
وأضاف بيليد “لا يمكن أن نتجاهل أننا بدأنا حشد القوات في وقت متأخر، وهذا من الأمور التي تترك بصمتها على هذه المعركة”. دافع ديان عن نفسه وقال “ماذا يعني هذا؟ هل أرسل لنا المصريون رسالة قبل أن يبدأوا بالحرب؟”؛ وأضاف لاحقًا: “لم يتصلوا بنا ليخبرونا بذلك”. وأجاب بيليد “المصريون بدأوا بالهجوم يوم السبت الساعة الثانية بعد الظهر، ونحن نبدأ التجنيد مساء الجمعة أو صباح السبت. هذا يعني أننا أخطأنا في المعرفة أو التقدير”.
رد ديّان “لم نعتقد أن الحرب ستندلع”، وأصر على أن قرار تجنيد الاحتياط اتخذ بمجرد تقدير الأجهزة الاستخباراتية بأن المصريين والسوريين عازمون على الحرب. من جانبه أصر بيليد على أنه “رأينا تشكيلات الجيش السوري وتشكيلات الجيش المصري تستعد أمامنا ولم يكن لدينا تقييم مناسب لهذا الأمر”. غضب ديّان، وبدأ بفقد أعصابه ورد على بيليد قائلا “لم نكن نعرف مسبقا متى سيبدأ العرب الحرب. من يملك احتكار معرفة ما سيفعله الطرف الآخر ، فهنيئا له. أنا لا أخجل من قدراتنا الاستخباراتية”.
وعن المعلومات التي تلقاها الموساد من أشرف مروان، أشارت رئيسة حكومة الإحتلال إلى أنها “كانت مفيدة ومكّنت الجيش الإسرائيلي من الاستعداد، حتى لو كان ذلك متأخرا”، متفاخرة بقدرة “أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية” على تحصيل المعلومات، وعلقت قائلة “بمعجزة، تلقينا المعلومات مسبقا. بعد مائة عام، سيكون بإمكاننا القول إننا كنا نعرف ويمكننا وصف مدى روعة أننا تلقينا هذا التحذير. صحيح أننا تلقيناه قبل الحرب بساعات قليلة فقط، ولكن هذه الساعات لعبت دورًا”.
رفضت مئير الخوض بأسباب “الإخفاق” في معالجة المعلومات أو استقبالها التي أدت إلى “استعداد غير مكتمل للجيش” قبل بدء الحرب؛ كما شددت على أنها لا تشارك الوزراء في انتقاد سوء الإعداد. مضيفة بنبرة ساخرة “إنه أمر خطير للغاية أننا فوجئنا ولم نكن نعرف من قبل (موعد بدء الحرب). بشكل عام، نحن مدللون. نحتاج أن نعرف متى يبدأ العرب شيئًا ما… لدينا جيش من ناقلي المعلومات تحت تصرفنا وكنا نحتاج إلى معرفة مثل هذا الشيء على وجه اليقين”.
09.10.1973
وخلال مداولات في مكتب رئيسة الحكومة، مساء 9.10.1973، قال “وزير الأمن”، موشيه ديّان، إن “محرري الصحف الإسرائيلية يصفون الوضع عند قناة السويس بأنه زلزال”، وأضاف “نحن الآن على بعد 4 كلم عن الضفة. وقد نضطر إلى إخلاء هذه الضفة… واتضح أن المصريين يطلقون نيران مضادة للدبابات. وحدثت اشتباكات مع قوات أريك (أريئيل شارون) وبرن (اللواء أبراهام إدن) لكنهم صامدون”.
وسألت مئير “هل رأيت رد فعل (وزير الخارجية الأميركي هنري) كسينجر؟”. وأجاب ديان “نعم، ولن أنتحر إذا وافق على الدعوة لوقف إطلاق نار من دون انسحاب (المصريين). وهم يريدون مواصلة القتال”.
وحذر ديان خلال مداولات صبيحة اليوم التالي من قصف مطار دمشق الدولي، قائلا “هل تعتقدون أنكم تتحدثون عن مطار عسكري؟ قد تصاب طائرات مدنية جاثمة هناك”.
إلا أن مئير اعتبرت أنه “ينبغي تجهيز الإعلام بعد الهجوم مباشرة، من أجل تفسير ما حدث ولماذا حدث… وإذا أمكن هذا ينبغي تجاوز الخط”. وقال ديان إنه “يجب أن يصرخوا أننا صاعدون إلى دمشق”، وأجابت مئير أن “هذا ضروري لنا من أجل المساومة. وهذا ضروري لكسرهم”.
وقال ديان “لقد فقدنا 56 طائرة، إضافة إلى 40 طائرة جاثمة دون قدرة على التحليق. وبالأمس فقدنا 13 طائرة. وبهذه الوتيرة، هذا الوضع ليس جيدا. وابني يقول إن سلاح الجو سيكون منتهيا بعد 3 – 4 أيام. هذا مقلق”.
وقالت مئير إن “لدي توقعات بأن قرارا سيتخذ بالأغلبية في مجلس الأمن الدولي سيدعو إلى الانسحاب حتى (حدود) 1967. وسيكون هناك فيتو أميركي ضد ذلك. وإذا وضعوا فيتو الآن سيكون من الصعب استخدامه ضد وقف إطلاق النار”.
وقال ديان إنه “ليس لدينا مشكلة عتاد فقط، وإنما مشكلة طيارين وما إلى ذلك. ولدينا مشاكل كمية. وبإمكاننا السيطرة على القناة غدا، لكن سنفقد جنودا كثيرين”. وعقبت مئير أن “هل لدينا مؤشرا على أن الروس سيعطونهم (للمصريين) المزيد من العتاد؟”. وأجاب ديان “بالتأكيد، أعتقد ذلك. انتهت صواريخهم”.
10.10.1973
وتمحورت مداولات، في مساء يوم 10.10.1973، حول وقف إطلاق النار. وقالت مئير “إذا تقرر وقف إطلاق نار الآن، هل سيكون ما هو موجود خلف القناة لمصر، ويبقى كذلك؟”. وأجاب ديان أن “هذا سيكون الوضع الأفضل الآن. ولن نتمكن من تحسين وضعنا في الأشهر القريبة إلى وضع أفضل. وهذا أفضل من أي بديل آخر”. وأضاف أنه “ينبغي فحص مسألة المتطوعين من خارج البلاد، يهود أميركيون يرغبون بالقتال هنا. ويوجد إسرائيليون خارج البلاد، وينبغي إحضار المئات منهم”.
وقالت مئير خلال مداولات في ساعة متأخرة من المساء نفسه، “أحيا مع شعور أنه يحظر علينا الخروج بوضع يقولون فيه في العالم إن ما كنا نعتقده حيال إسرائيل والجيش الإسرائيلي ليس صحيحا. وعندما يقول كيسنجر ’إنكم ملزمون بالانتصار’، فإنه توجد في ذلك دلالة رهيبة. وإذا لم ننتصر لا سمح الله، الوضع منتهي”.
ورأى إلعزار أن اليوم الرابع للحرب هو يوم حاسم “عملنا طوال الأيام الأربعة الماضية وفقا لمفهوم معين. أننا سنهاجم ضد سورية. ونصل إلى خط وقف إطلاق النار (في الجولان المحتل) وننتقل إلى هجوم مضاد. وفي هذه الأثناء المصريون يلجمون… والسؤال هل سنتمكن من تحقيق حسم في الهضبة. أي إذا هاجمنا غدا، هل سنقترب من مشارف دمشق ونصل إلى وقف إطلاق نار بعد ذلك”.
وقال إلعزار “أنا أؤيد مهاجمة سورية”، بينما يقول قائد سلاح الجو، بيني بيلد، إنه “ينبغي مهاجمة مصر وليس سورية. ولا أوافق على فرضية أن سورية لا يمكن أن تُهزم، ومصر مهزومة ستمنع الأردن من مساعدة السوريين. العكس هو الصحيح”
ووجهت مئير سؤالا لبيلد “كم طائرة تحتاج كي يكون شعورك أفضل؟”. وأجاب بيلد: “بإمكاني استيعاب عشرين طائرة، رغم أنه ليس لدي طياري احتياط لها”.
وقال اللواء رحبعام زئيفي “لدينا قدرة للحسم في الجبهة السورية فقط وليس المصرية… فالجنود منهكين، وليس لدينا دبابات”.
واعتبر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، إيلي زاعيرا، أنه “أشك بأن روسيا ستوافق بسهولة على القضاء على نظام إحدى الدول الموالية لها في الشرق الأوسط. والحسابات هي ليست سورية وإسرائيل ومصر فقط، وإنما هناك حسابات كثيرة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. وأعتقد أن وقف إطلاق النار هي مؤشر على الشعور السوري، وأنه يوجد تهديد للنظام. ووقف إطلاق النار سيتم عندما نتقدم نحو دمشق”.
ولخصت مئير النقاش بأنه “نصادق على أن ينفذ الجيش الإسرائيلي غدا جهدا هجوميا مركزا في سورية وتدمير فيالق الجيش وتحقيق حسم يشل الأنشطة السورية. ولا يوجد قرار باحتلال دمشق”
11 تشرين الأول/ أكتوبر
وبحسب ما أظهرت الوثائق، قالت مئير خلال أحد الاجتماعات في 11 تشرين الأول/ أكتوبر “الوقت الآن غير مناسب، ولكن عندما نكون في حالة مزاجية جيدة بعد الحرب، قد يكون هناك مجال للحديث عن الرعب والكوابيس، تلك التي مررت بها، ولكن ليس أنا فقط، بل الجميع في إسرائيل خلال هذا الأسبوع “؛ وعندما قيل لها إنه لم يمر أسبوع بعد على الحرب، قالت: “يبدو لي وكأنه دهر” ، ثم قالت مرة أخرى فيما بعد: “لا زلت أشعر أنني في كابوس”.
14 تشرين الأول/ أكتوبر
وبعد أسبوع ، في 14 تشرين الأول/ أكتوبر، عاد موضوع “الإخفاق الإسرائيلي” في معالجة المعلومات الاستخبارية إلى جدول أعمال الحكومة، وطلب الوزير يسرائيل غليلي أن تناقش الحكومة، عند الإمكان، “إلى أي مدى كنا مستعدين، إذا فوجئنا في الحرب، وما إذا كان هناك فشل استخباراتي”.
عمق الأزمة في صفوف القيادة الصهيونية خلال حرب تشرين الأول/ أكتوبر العام 1973:
“المؤرخ الإسرائيلي” يوآف غيلبر/ انتكاسة إسرائيل في حرب 1973: غطرسة وليس إخفاقا استخباراتيا
يرى البروفيسور والمؤرخ يوآف غيلبر وهو باحث أكاديمي في تاريخ “إسرائيل” والصراع “العربي – الإسرائيلي”. وبعد حرب تشرين 1973، عُين محققا في “لجنة أغرانات” التي حققت في إخفاق “إسرائيل” في الحرب.
أن إخفاق “إسرائيل” في حرب تشرين العام 1973 أعمق بكثير من كونه “إخفاقا اسخباراتيا”، وأشار في كتاب له صدر مؤخرا بعنوان “راهف”، أي “غطرسة”، إلى أن أسباب الإخفاق تعود لسنوات إلى الوراء، وأن “العفن” كان منتشرا وفي “الجيش الإسرائيلي” بشكل خاص.
“كانت مهمتي في اللجنة ترتيب كميات المواد الهائلة التي وصلت إلى اللجنة، وشملت وثائق وبروتوكولات من مصادر مختلفة مثل مكتب رئيس هيئة الأركان العامة ورئيس الموساد. وقد كانت جميعها مفتوحة أمامي” وفق ما نقلت عن غيلبر صحيفة “هآرتس” .
وقال غيلبر للصحيفة إنه “في اللجنة بحثوا عن نقطة ارتكاز، بحيث إذا وضعنا الإصبع عليها، سنتمكن من تفسير معظم إخفاقات الحرب. وفي المقابل، ادعيت أنه لا توجد نقطة كهذه، لأنه في أي مكان تضع الإصبع عليه يوجد عفن. وتناقشنا كثيرا، وقلت أن هذا (الإخفاق) لم يبدأ هنا، وإنما قبل ذلك بكثير، وتوجد له جذور عميقة”.
غيلبر وفي كتابه أشار إلى أن “في حرب يوم الغفران لم يكن إخفاقا عينيا وفي وقت محدد، وإنما ثمرة تحولات استمرت سنوات، وكان في مركزها عدم إدراك تغيّرات طرأت لدى الخصم وفي ظروف الجبهة”. ويوجه غيلبر اللوم إلى “الجيش الإسرائيلي” بالأساس، وأن الإخفاق عسكري قبل أي شيء آخر، وليس استخباراتيا أو سياسيا فقط، ولم يحدث قبل الحرب بأيام، وإنما في السنوات التي سبقتها.
وأضاف غيلبر في كتابه أن “ما حدث في الجيش الإسرائيلي في 5 و6 تشرين الأول/أكتوبر 1973 لم يعكس مفاجأة نتيجة لأخطاء في التقدير، عدم فهم الإنذار أو بسبب عدم استخدام وسيلة كهذه أو تلك من أجل الحصول عليه. وتعبر أحداث اليومين اللذين سبقا الحرب بخلاصة صافية عن أمراض الجيش في السنوات الست التي سبقت الحرب”.
وتابع أن “رئيس أركان الجيش (دافيد إلعزار) أعلن عند الساعة 11:00 من يوم الجمعة، 5 تشرين الأول/أكتوبر، عن حالة تأهب ج (درجة واحدة قبل حالة تأهب قصوى). وجرى إرسال القوات النظامية كلها من أجل تعزيز الجبهات، لكن لم يتم استدعاء قوات الاحتياط التي بغيابها يصعب تأدية المهام في الحرب. ولم يرافق الإعلان عن التأهب أي تفسير لإعلانه، وما الذي ينبغي تنفيذه – إنعاش الخطط؟ فتح مخازن الطوارئ؟ تغيير خرائط السيطرة؟ نشر آليات قرب المعسكرات؟”.
وقال غيلبر إنه “قبل ساعات من نشوب الحرب، لم يتم إبلاغ الضباط بصورة الوضع، وماذا عليهم أن يفعلوا. ولم يتيقن أحد إلى أي مستوى عسكري وصل الأمر. وهيئة الاركان العامة فقدت عمليا السيطرة على الجيش. ولم تكن هناك متابعة لتنفيذ الأوامر الصادر في ذلك اليوم”.
وأضاف أنه عندما نشبت الحرب، “اتضح أنه لا يوجد للجيش الإسرائيلي تحديد للهدف”، وبذلك لم يكن بالإمكان التحدث عن “التمسك بهدف”. وطالبت قيادة الجيش “بمنع أي إنجاز عسكري عن العدو”. ويصف غيلبر هذه الجملة بأنها “مفندة”.
وشدد غيلبر على أن “الجيش الإسرائيلي لم يستعد أبدا للدفاع، وبدلا من الاستعداد للتصدي للعدو، استعد لعبور القناة (السويس). وبدلا من استغلال العمق الإستراتيجي الإسرائيلي من أجل التصدي، تطلع الجيش الإسرائيلي إلى نقل الحرب إلى اراضي العدو، وفيما هو يتمسك بفرضية لا اساس لها، بأنه بالإمكان لجم المصريين بواسطة 300 دبابة وبمساعدة سلاح الجو. وعانى الجيش من انفصام في الشخصية. من جهة، واضح أنه يجب الدفاع عن الحدود. ومن الجهة الأخرى انشغل طوال الوقت بما ورائها. وقبل الحرب لم تجرِ أي مداولات في شؤون الدفاع”.
ووفقا لغيلبر، فإن الجيش الإسرائيلي استعد “للحرب السابقة” وتجاهل “بتمسك وحزم وإصرار” الحرب التي ستنشب، أي أن “الجيش لم ينجح بالاستعداد لحرب مستقبلية، مع خصم مختلف عن ذلك الذي عرفه، واستمر بالتفكير في الحروب السابقة، التي انتصر فيها”.
الاستخفاف بالعدو” تغلغل عميقا في المستويين العسكري والسياسي
يعود غيلبر إلى حرب حزيران 1967 من أجل فهم إخفاقات حرب 1973. ويرى أن “الاستخفاف بالعدو” تغلغل عميقا في المستويين العسكري والسياسي في إسرائيل، وساهمت في ذلك دراسات وتحقيقات مع أسرى مصريين، التي عززت “الصورة السلبية” للمقاتل العربي. واستندت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (“أمان”) إلى أن المصريين “ليس فقط أنهم لم يتحسنوا، وإنما ساء وضعهم أكثر”، وفقا لغيلبر.
وكانت قناعة قادة “الجيش الإسرائيلي” أن “العرب ضعفاء”، ولم يصدقوا أنهم باتوا أقوياء بما يكفي كي يبدأوا الحرب ويعبروا قناة السويس ويخترقوا “خط بار ليف” الدفاعي. وأوضح غيلبر أن “التفكير العسكري تركز بما يبدو أنه قالب لحرب الأيام الستة”، أي أن الحرب ستستمر لأيام معدودة، يسيطر سلاح الجو الإسرائيلي فيها على السماء والبر، وأن “يتوقف الجندي العربي عن القتال ويهرب عندما يرى دبابة إسرائيلية”.
إلا أن هذه الأوصاف كانت بعيدة عن الواقع وتجاهلت تغيرات طرأت على الجيش المصري منذ العام 1967. وشدد غيلبر على أن “الجيش المصري في 1973 لم يكن الجيش نفسه في 1967. لقد جرت فيه عملية احتراف. وانخرط آلاف الضباط في دورات أكاديمية وشاركوا في دورات تقنية بمستويات مختلفة في الاتحاد السوفييتي. وجاء آلاف المستشارين والقوات إلى مصر، من أجل تحسين الجيش المصري من الداخل. ولم يكن بالإمكان التعامل مع الجيش المصري بمصطلحات 1967. وأنكروا في الجيش الإسرائيلي بالكامل التغييرات في روح القتال، الأسلحة ومستوى الضباط” في مصر.
ولفت غيلبر إلى أن “الجندي المصري العادي هرب في حرب 1967 لدى رؤيته دبابة إسرائيلية، “لكنه في حرب يوم الغفران أطلق عليها النار من مسافة صفر وأبقى الجيش الإسرائيلي مصدوما”. وعزا غيلبر هذه الصدمة بأنها نابعة من “غطرسة” إسرائيلية”.
وأضاف غيلبر أنه “لم يتغير الجندي المصري فقط. ورأى أن احتلال 1967 استوجب أن تعيد إسرائيل دراسة مفهومها الأمني من جذوره، كي تلائم نفسها لواقع جديد، لم يعد فيه الصراع العربي – الإسرائيلي يتمحور حول الفلسطينيين فقط، وإنما حول سلامة، سيادة والكرامة الوطنية للدول العربية”.
وتابع أن “دراسة كهذه لم تجرِ، وإسرائيل وجيشها بقيا مع مفهوم أمني تمت بلورته في بداية الخمسينيات ووفقا لواقع حرب العام 1948”. ورغم أن هذا الواقع تغير بشكل كبير في العام 1967، “اعتقدت إسرائيل أنها ستدير الحرب القادمة، وهي حرب يوم الغفران، كأن معقلا عند ضفة قناة السويس هو داغانيا (كيبوتس على ضفة بحيرة طبريا) في شهر أيار/مايو 1948”.
وبحسبه، فإنه “لم تكن لدى إسرائيل، بعد 1967، إستراتيجية باستثناء إخماد حرائق، الرد على ضغوط، مساومة والسعي إلى “كسب الوقت” والحفاظ على الموجود. ولم تكن هناك إجابة على السؤال الأساسي: ما هو مستقبل المناطق المحتلة؟”.
وأشار غيلبر في كتابه إلى أن “أمان لم ينف وجود معلومات استخباراتية تحذر من حرب، لكنه نفى أهميتها. وهذا النفي لم يستند إلى حقائق وإنما إلى أمنيات، تكهنات، معتقدات وبهلوانية فكرية. وهذه كانت تعسفية مطلقة”.
وأضاف أن “آخر من علم بأن الحرب توشك على النشوب هم أول من اصطدموا بها. الجنود الإسرائيليون العاديون” الذين كانوا في المواقع العسكرية عند قناة السويس وفي هضبة الجولان والقواعد العسكرية التي قصفها سلاحا الجو المصري والسوري لدى بدء الحرب.
ردع و”صدمة قومية”
ولفت غيلبر إلى أن “مصطلح الردع له علاقة بالعام 1973 مثلما هو واقعي في العام 2021. وفي حينه، كانت إسرائيل مقتنعة بأن المصريين لن يتجرأوا على شن حرب بعد 1967. وفي أيار/مايو الماضي اعتقد الكثيرون في إسرائيل أن حماس مرتدعة ولن تجرؤ على إطلاق قذائف صاروخية على إسرائيل”. وأوضح غيلبر أن الردع “ليس أمرا حقيقيا وإنما نفسيا. وعندما يتوقف مفعوله على المرتدع، لا يعي الرادع ذلك ويعيش في وهم أن الردع مستمر”.
وأضاف غيلبر انه “في 1973 توقف المصريون عن الارتداع، وأعدوا حربا. وإسرائيل، في حينه، كانت متأكدة من أن الحرب ستنشب في العام 1978 فقط. وقبل خمسة أيام من نشوب الحرب، يتحدث رئيس اركان الجيش الإسرائيلي عن 1976 أو نهاية 1975 كموعد محتمل. ولم يختلف أحد مع ذلك”.
وينفي غيلبر أن “إسرائيل واجهت “صدمة قومية” في حرب 1973، ويصف هذا المصطلح بأنه “تضليل” مارسته وسائل الإعلام، وهو نتيجة اتجاه عالمي. “ولا يمكن نقل صدمة أفراد إلى المستوى القومي، مثلما لا يمكن أخذ مجموعة ذكريات فردية وتسميتها ذاكرة جماعية. فلكل واحد ذكرياته الخاصة”.
الولايات المتحدة ودعم “إسرائيل” في حرب أكتوبر:
ملحق جهاز “الموساد الإسرائيلي” في واشنطن في حينه، ورئيس” الموساد” لاحقا، أفراييم هليفي،و خلال محاضرة ألقاها في في مؤتمر عُقد في مدينة أشدود قال “طالب نائب رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه)، في اليوم الثالث للحرب إثر الطلبات الإسرائيلية بتزويدها بالسلاح في أعقاب وضعها الحرج في بداية الحرب، بتقارير إسرائيلية تثبت أن هذه الطلبات لا تزال سارية، لأن “سياسة الولايات المتحدة تقضي بدعم المنتصر” وأن “علينا أن نعرف ما هو (وضع) الجيش الإسرائيلي وإسرائيل الآن”.
وأضاف هليفي أن المسؤول الأميركي “جلس وراء مكتبه عابسا. وقال لي: ’نتلقى منذ 48 ساعة طلبات استجداء من إسرائيل لأن نعبئ النقص (بالسلاح) ونساعدها في ضائقتها الأشد منذ حرب الاستقلال (عام 1948). لكن علينا أن نعرف ما هي إسرائيل بعد ثلاثة أو أربعة أيام من الحرب. وعلينا أن نعرف إذا كانت مساعدتنا ستكون مفيدة أصلا. فسياسة الولايات المتحدة تقضي بأن ندعم المنتصر، ولذلك علينا أن نحصل على إيجاز موثوق حول ما هو (وضع الجيش الإسرائيلي وإسرائيل الآن .
ووفقا لهليفي، فإن نائب رئيس “سي.آي.إيه” أضاف أنه إذا لم يحصل على طلبه حتى نهاية اليوم، “فلن نلتقي بعد الآن أبدا، وأن سي.آي.إيه سيقطع العلاقات مع الموساد وإسرائيل”. ودفع ذلك هليفي إلى العودة إلى السفارة وإرسال برقية عاجلة إلى رئيس “الموساد” حينذاك، تسفي زامير.
وتابع هليفي أنه “بعد نصف ساعة جرى اتصال على هاتف مكشوف. وكان زامير على الخط، وسألني عن هذه البرقية. قلت له ’إننا نتحدث على خط مكشوف’، وهو أجاب: ’أعلم أن هذا مكشوفا’. وأدركت أنه يتعمد ذلك، كي يسمعه من يتنصت على الخط في واشنطن. وقال لي: ’اتصل بمن كنت عنده وقل له أن يلحس مؤخرتي’”.
ولفت هليفي إلى أنه “في تلك الأيام لم تكن لدى هيئة الأركان العامة الإسرائيلية صورة واضحة للوضع والأحداث الميدانية، وأنه بعد أسبوع على بدء الحرب كانت إسرائيل قد فقدت ثلث قوتها الجوية وثلث دباباتها”. وقال إنه “لو استمر هذا الوضع، لاعتبرت إسرائيل دولة عديمة قوة دفاعية ضرورية بالحد الأدنى لاستمرار وجودها”.
وأضاف أنه “تعين أن نعثر على طريقة لكتابة تقرير لا يخدع الأميركيين من جهة، ولكن يجعلهم يستنتجون أنهم يدعمون منتصرين من الجهة الأخرى”. وكتب تقريرا كهذا، خلال 24 ساعة، العقيد يوفال نئمان، الذي أصبح وزير العلوم لاحقا.
وقال هليفي إنه تعين عليه وعلى الملحق العسكري الإسرائيلي، مردخاي غور، الالتقاء مع رئيس “سي.آي.إيه.” ووزير الدفاع الأميركي، جيمس رودني شلزينغر، لتسليمهما التقرير. “طولبنا بأن يكون هما فقط في الغرفة وأن نسلم التقرير لهما فقط، وأن نتحدث شفهيا وهما يدونان. ووصلنا إلى مكتب وزير الدفاع في البنتاغون، وشاهدنا في غرفة الانتظار رئيس أركان الجيش الأميركي. وقد أراد الدخول إلى اللقاء، لكن مردخاي قال له إنه لا يستطيع المشاركة. وعندما دخلنا إلى غرفة الوزير قالا إنهما لن يدونان المحادثة لأنهما سيتذكران ما سنقوله، وأدركنا أنه يوجد جهاز تسجيل في الغرفة”.
يذكر أنه بعد ذلك زودت الولايات المتحدة “إسرائيل” بالسلاح والعتاد العسكري من خلال جسر جوي. لكن هليفي ادعى أن هذا الجسر الجوي لم يكن السبب الذي رجح كفة الحرب ومن ثم إيقافها، لأن العتاد العسكري “لم يصل خلال الحرب”.
وأضاف أنه “حتى وصول العتاد العسكري، فإن الأمر الذي رجح الكفة هو وجود صديق لنا في سي.آي.إيه.، وهو رئيس شعبة التجسس المضاد، جيمس أنغلتون، الذي اهتم بأن نحصل بشكل متواصل على صور الأقمار الاصطناعية الأميركية التي ركزت على منطقة المعارك. وحولوا إلينا أثناء الحرب صورة دقيقة حول تواجد أي آلية عسكرية. وقد جرى ضخ المواد بكميات هائلة وكان من الصعب تشفيره. وعملنا 24 ساعة على مدار سبعة أيام وهذا الأمر حسم الحرب”.